مراتب الحديث الصحيح ، ومظانه ، وأول من جمع الصحيح وحكم العمل به
أولاً : مراتب الحديث الصحيح.
وتنقسم مراتب الحديث الصحيح إلى سبعة مراتب :
الأولى : ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم.
الثانية : ما انفرد به البخاري.
الثالثة : ما انفرد به مسلم.
الرابعة : ما كان على شرطهما ، بمعنى أن اسناد الحديث موجود برمته في كتابيهما.
الخامسة : ما كان على شرط البخاري.
السادسة : ما كان على شرط مسلم.
السابعة : ما كان صحيحاً ولم يخرجه أحدهما.
وفائدة هذه المراتب ترجيح الرواية الأقوى على ما دونها عند التعارض.
والأصل العمل بكل حديث صحيح ، وقد يكون الحديث أحياناً أقوى صحة من حديثٍ اتفق عليه الشيخان ، وإنما النظر إلى هذه المراتب من حيث الجملة لا من حيث آحاد الروايات.
ثانياً : مظان الحديث الصحيح.
يمكننا الوقوف على الحديث الصحيح من المصادر التي اشترط أصحابها الصحة وهما على المشهور مصدران :
الأول : صحيح البخاري.
للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الجعفي مولاهم البخاري.
ولد في شوال سنة 194هـ ،وتوفي يوم السبت لغرة شوال سنة 256هـ ، فعاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً.
واسم كتابه كما سماه "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه".
وهو أول من جمع الحديث الصحيح المجرد.
الثاني : صحيح مسلم
للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري.
ولد سنة 204هـ ، ومات في رجب سنة 261هـ
وقد حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل ، وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ، ولا رواية بمعنى ، وهذا مشهور عن أبي علي النيسابوري والمغاربة.
لكن يجاب عن ذلك أن البخاري اشترط في صحيحه أن يكون الراوي قد عاصر شيخه ، وثبت لقاؤه به ، ولم يشترط مسلم اللقى بل المعاصرة فقط لاحتمال أنه سمع منه، ولذا يُقدَّم صحيح البخاري على صحيح مسلم وهذا مذهب الجمهور ، وليس في كلام أبي علي النيسابوري وبعض المغاربة تقديم صحيح مسلم من حيث الصحة على صحيح البخاري بل من حيث الصناعة ليس غير.
فيُقدَّم صحيح البخاري على صحيح مسلم من حيث شرط الرجال كما يقدم صحيح مسلم على صحيح البخاري من حيث جمع الطرق وجودة السياق، وهذا أحسن ما يقال في هذا الباب.
وقد قال أحدهم :
تخاصمَ قومٌ في البخاري ومسلمٍ لـديَّ وقالوا أيُّ ذينِ تقـــدِّمُ
فقلتُ لقد فاق البخاري صحـةً كما فاقَ في حُسْنِ الصناعةِ مُسْلِمُ
وقد انبرى على قوة شرط البخاري أمران دلا على تقديمه في الجملة على صحيح مسلم :
الأول : قلة الرجال الذين انتقدوا على البخاري بخلاف ما انتُقِد على مسلم.
الثاني : قلة الأحاديث التي انتقدت على البخاري بخلاف مسلم.
والحاصل أن الأمة اتفقت على تلقي كتابيهما بالقبول وأن كتاب البخاري أصح كتابٍ بعد كتاب الله ، ويليه في الصحة كتاب مسلم.
كما يمكن الوقوف على أحاديث صحيحة من مصادر أخرى لم يشترط أصحابها الصحة ومن ذلك : كتب السنن كسنن الترمذي(1) وأبي داود(2) ، والنسائي(3) ، وابن ماجه(4) والدارمي(5). والمسانيد كمسند أحمد بن حنبل(6).
وأبي داود الطيالسي(7) ،والمعاجم كمعاجم الطبراني الثلاثة الكبير والأوسط والصغير(8) والمستدركات كمستدرك الحاكم(9) ، والمستخرجات كمستخرج أبي
عوانة على صحيح مسلم(10) ، والأجزاء ككتاب جزء الفاتحة للإمام البخاري ،والزهد لابن المبارك(11) وغيرها من كتب الحديث المسندة ، وذلك بعد النظر في رجالها وصحة اتصال سندها وسلامتها من الشذوذ والعلة.
فإن هذه المصادر لا تخلو من وجود الأحاديث الضعيفة وربما الموضوعة ، إذ لم يشترط أصحابها الصحة.
كما يمكن الوقوف على الحديث الصحيح من خلال البحث في الكتب الموصوفة بالصحة ككتاب صحيح ابن خزيمة(12) ، وصحيح ابن حبان(13)، ولا تدل شهرتهما بالصحيح على صحة ما فيهما فقد اشتملا على الصحيح والضعيف.
---------------------
(1) : الترمذي هو : الإمام الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي بضم السين خلافاً لمن قال بفتحها نسبة إلى بني سليم قبيلة معروفة ،والترمذي : نسبة إلى ترمذ مدينة قديمة على طرف نهر بلخ ، وقد تُوفي بترمذ أو ببوغ ،وهي قرية من قرى ترمذ على ستة فراسخ منها سنة تسع وقيل : سنة خمس وسبعين ومائتين ،وكتابه مشهور بـ (السنن أو