عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمتان مَغبون فيهما كثيرٌ من الناس؛ الصحة والفراغ))؛ رواه البخاري.
شرح الحديث:
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس؛ الصحة، والفراغ))، يعني: أن هذين الجنسين من النعم، مغبون فيهما كثير من الناس؛ أي: مغلوب فيهما، وهما الصحة والفراغ؛ وذلك أن الإنسان إذا كان صحيحًا، كان قادرًا على ما أمره الله به أن يَفعله، وكان قادرًا على ما نهاه الله عنه أن يَتركه؛ لأنه صحيح البدن، مُنشرح الصدر، مطمئن القلب، كذلك الفراغ إذا كان عنده ما يُؤويه وما يكفيه من مُؤنة، فهو متفرِّغ، فإذا كان الإنسان فارغًا صحيحًا، فإنه يُغبَن كثيرًا في هذا؛ لأن كثيرًا من أوقاتنا تضيع بلا فائدة ونحن في صحة وعافية وفراغ، ومع ذلك تضيع علينا كثيرًا، ولكننا لا نعرف هذا الغبن في الدنيا، إنما يعرف الإنسان الغبن إذا حضَره أجلُه، وإذا كان يوم القيامة، والدليل على ذلك قوله - تعالى -: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99 - 100]، وقال - عز وجل - في سورة المنافقون: ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]، وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 11].
الواقع أن هذه الأوقات الكثيرة تذهب علينا سدًى، لا ننتفع منها، ولا ننفع أحدًا من عباد الله، ولا نندم على هذا إلا إذا حضر الأجَل؛ يتمنَّى الإنسان أن يُعطَى فرصة ولو دقيقة واحدة؛ لأجل أن يُستعتبَ، ولكن لا يحصُل ذلك.
ثم إن الإنسان قد لا تَفوته هاتان النعمتان: الصحة والفراغ بالموت، بل قد تفوته قبل أن يموت، قد يَمرض ويَعجِز عن القيام بما أوجب الله عليه، وقد يمرض ويكون ضيِّق الصدر، لا يَنشرح صدره ويَتعب، وقد ينشغل بطلب النفقة له ولعياله؛ حتى تفوته كثيرٌ من الطاعات؛ ولهذا ينبغي للإنسان العاقل أن ينتهز فرصة الصحة والفراغ بطاعة الله - عز وجل - بقدر ما يستطيع، إن كان قارئًا للقرآن، فليُكثر من قراءة القرآن، وإن كان لا يعرف القراءة، يُكثر من ذكر الله - عز وجل - وإذا كان لا يمكنه، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أو يبذل لإخوانه كل ما يستطيع من معونة وإحسانٍ، فكل هذه خيرات كثيرة تذهب علينا، فالإنسان العاقل هو الذي ينتهز الفرص؛ فرصة الصحة، وفرصة الفراغ.
وفي هذا دليل على أن نعم الله تتفاوَت، وأن بعضها أكثر من بعض، وأكبر نعمة يُنعم الله - تعالى - بها على العبد: نعمة الإسلام، ونعمة الإسلام التي أضلَّ الله عنها كثيرًا من الناس؛ قال الله - تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فإذا وجد الإنسان أن الله قد أنعَم عليه بالإسلام وشرَح الله صدره له، فإن هذه أكبر النِّعم.
ثم ثانيًا: نعمة العقل، فإن الإنسان إذا رأى مبتلًى في عقله، لا يُحسن التصرف، وربما يُسيء إلى نفسه وإلى أهله، حمِد الله على هذه النعمة؛ فإنها نعمة عظيمة.
ثالثًا: نعمة الأمن في الأوطان، فإنها من أكبر النعم، فنعمة الأمن لا يُشابهها نعمة غير نعمة الإسلام والعقل.
رابعًا: كذلك مما أنعم الله به علينا: رغَدُ العيش، يأتينا من كل مكان، فنحن في خير عظيم ولله الحمد، البيوت مليئة بالأرزاق، ويُقدَّم من الأرزاق للواحد ما يكفي اثنين أو ثلاثة أو أكثر، هذه أيضًا من النعم، فعلينا أن نشكر الله - سبحانه وتعالى - على هذه النعم العظيمة، وأن نقوم بطاعة الله؛ حتى يَمُنَّ علينا بزيادة النعم؛ لأن الله - تعالى - يقول: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/library/0/48940/#ixzz4fT5QctdR