مقاييس الخير والشر مختلفة فقد تظن الخير في شئ وهو شر لك، قال تعالى ـ: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]}.
إن الانسان تقع منه او عليه افعال يحبها و يكرهها ، او تجر عليه نفعا او ضرا، فما كان يحب او يجر عليه نفعا ه يميل لتسميته بالخير ، و ماكان يكرهه او يجر عليه ضرا يميل لتسميته بالشر ، ولما كان بحث القضاء والقدر يري بان الافعال التي تقع على الانسان او منه في الدائرة التي تسيطر عليه انما هي من الله باعتبار الثواب و العقاب ، و ليست من الانسان ، فإنه لا يعرف الخير من الشر فيها ، فقد يطلق على فعل ما وصف الخير ، وفي حقيقته شر ، و العكس صحيح . إذ هي اتية من الله باعتبار الثواب و العقاب ، فليس للانسان ان يطلق عليها وصفي الخير والشر . وبالتالي فالخير والشر في الدائرة التي تسيطر على الانسان هما من الله ، ولا يدركهما العقل .
اما بالنسبة للدائرة التي يسيطر عليها الانسان ، فإنه يقدم على افعال و يحجم عن اخرى ، ولابد لها من مقياس يحدد له متى يقدم على الفعل ومتى يحجم عنه ، وهو يطلق على الافعال التي يميل للاقدام عليها وصف الخير سواء اكان يطلق عليها وصف الخير للمنفعة التي تصيبه منها ام لغير ذلك ، ويطلق على الافعال التي يميل للاحجام عنها وصف الشر سواء اطلق عليها هذا الوصف لمضرة تلحقه منها ام لغير ذلك . فأتى التصحيح بأن الافعال ذاتها ليس فيها ما يحدد خيرها من شرها ، فالقتل مثلا فعل ، ولكن حكم قتل المرتد يختلف عن حكم قتل المسلم معصوم الدم ، فلا بد ان يكون الحكم بالخير او الشر اتيا من خارج الفعل ، اي من ملابساته التي تحيط به ، و يحدد هذا المقياس العوامل التي سيرت الانسان للقيام بالفعل كالقاعدة الفكرية مثلا ، و غايته من القيام به . فالمسلم الذي يؤمن بالعقيدة الاسلامية ، ويرى ان غايته في الحياة هي نوال رضوان الله يجعل الخير والشر في هذا الجانب اتية بحسب رضا الله او سخطه . هذا من ناحية ، من ناحية اخرى ، فإن الله اودع في اشياء الكون و الانسان و الحياة خصائص معينة ، واودع في الانسان طاقات حيوية لها مظاهر معينة ، وهذا هو القدر : خصائص الاشياء ، و الغرائز و الحاجات العضوية . و الانسان يميل لان يطلق على بعض خصائص الاشياء او الغرائز و الحاجات العضوية وصف الخير او الشر ، فاتت المعالجة الفكرية بان خصائص الاشياء و الغرائز و الحاجات العضوية ليس فيها خير ذاتي او شر ذاتي ، ولكنه اذا استعمل هذه الخصائص ، او استجاب للطاقة الحيوية في شر حسب الوصف السابق يكون قد قام بالشر ، واذا استعمل هذه الخصائص ، او استجاب للطاقة الحيوية في خير حسب الوصف السابق يكون قد قام بالخير .