أولاً: نظرية تعادل القوة الشرائية
تعادل القوة الشرائية عبارة عن نظرية تفي بأن سعر الصرف بين عملتين يتعادل عندما تكون قوتهما الشرائية متساوية في كلا الدولتين. وهذا يعني أن سعر الصرف بين العملتين يجب أن يتعادل مع مستوى السعر لسلة من السلع والخدمات في الدولتين. وعند ارتفاع مستوى الأسعار المحلية في دولة ما (في حالة التضخم) يجب تخفيض سعر الصرف في تلك الدولة للحفاظ على تعادل القوة الشرائية. ويعتمد تعادل القوة الشرائية على أساس قانون السعر الواحد. وفي ظل غياب تكلفة النقل والتعاملات الأخرى، فإن الأسواق المتنافسة تعمل على تساوي سعر سلعة متماثلة في دولتين عندما تكون الأسعار مقيَّمة بنفس العملة. ونشير إلى أن أسهل طريقة لحساب تعادل القوة الشرائية بين دولتين يتلخص في مقارنة سعر سلعة معيارية متماثلة في الدولتين وتقوم مجلة الإيكونومست في كل عام بإصدار نشرة عن تعادل القوة الشرائية ''همبورغر إندكس مؤشر همبورغر'' يقارن أسعار همبورغر مكدونالدز في كافة أنحاء العالم. وهناك نشرات اخرى أكثر تعقيدا بشأن تعادل القوة الشرائية تتناول عددا كبيرا من السلع والخدمات. وتتمثل إحدى المشاكل الرئيسية في أن الناس في دول مختلفة يستهلكون مجموعات متنوعة من السلع والخدمات مما يجعل من الصعب مقارنة القوة الشرائية بين الدول. وعلى سبيل المثال فإن جهاز التلفزيون الذي يباع بسعر 500 دولار أمريكي في نيويورك عندما يكون سعر الصرف 5،1 دولار كندي للدولار الأمريكي، وإذا كان سعر جهاز التلفزيون في كندا 700 دولار كندي فقط، ففي هذه الحالة يفضل المستهلكون في نيويورك شراء التلفزيون من تورنتو. وإذا تمت هذه العملية على نطاق واسع (تسمى ''المراجحة'') فإن المستهلكين الأمريكان الذين يشترون السلع الكندية سيعملون على رفع قيمة الدولار الكندي الأمر االذي يؤدي إلى زيادة تكلفة السلع الكندية بالنسبة لهم. وتستمر هذه العملية إلى أن تعود أسعار السلع إلى نفس مستواها.
هناك ثلاثة محاذير تتصل بقانون السعر الواحد وهي:
- إن تكاليف النقل، العوائق أمام حرية التجارة وكذلك تكاليف المعاملات الأخرى قد تكون كبيرة
- ينبغي وجود أسواق منافسة للسلع والخدمات في كلا الدولتين.
- إن قانون السعر الواحد ينطبق فقط على السلع الغير منقــــولة مثل المســاكن والعديد من الخدمات المحلية لا يمكن بالطبع الاتجار بها فيما بين الدولتين.
يستخدم خبراء الاقتصاد نموذجين لتعادل القوة الشرائية: تعادل القوة الشرائية المطلق وتعادل القوة الشرائية النسبي. يشير تعادل القوة الشرائية المطلق إلى تساوي مستويات السعر في دولتين، وبمعنى أوضح يكون سعر الصرف بين الدولار الأمريكي والدولار الكندي مساويا لمستوى السعر في كندا مقسوما على مستوى السعر في الولايات المتحدة. ولو افترضنا أن نسبة مستوى السعر بالدولار الكندي/السعر بالدولار الأمريكي تقتضي أن يكون سعر الصرف 1.3 دولار كندي لكل دولار أمريكي. وإذا كان سعر الصرف 1.5 دولار كندي لكل دولار أمريكي، تفيد نظرية تعادل القوة الشرائية أن الدولار الكندي سيرتفع مقابل الدولار الأمريكي وأن الدولار الأمريكي سينخفض مقابل الدولار الكندي.
يشير تعادل القوة الشرائية النسبي إلى معدلات التغيير في مستويات الأسعار ''معدلات التضخم'' وتفيد هذه النظرية أن معدل ارتفاع عملة ما سيكون مساويا للفرق بين نسبة التضخم بين الدولتين. وعلى سبيل المثال، إذا كانت نسبة التضخم في كندا %1 ونسبة التضخم في الولايات المتحدة %3، فإن قيمة الدولار الأمريكي ستنخفض بنسبة %2 سنويا مقابل الدولار الكندي. وهذا الطرح صحيح من الناحية العملية وخاصة عندما يكون الفرق في نسب التضخم كبيرا.
ونشير هنا إلى أن تعادل القوة الشرائية لا يحدد أسعار الصرف على المدى القصير نظراً لتأثرها بالأخبار؛ حيث أن الإعلان عن التغيرات في أسعار الفائدة والتوقعات بشأن النمو الاقتصادي وغيرها تعتبر جميعها عوامل تؤثر على أسعار الصرف على المدى القصير. وبالمقارنة، نجد أن تعادل القوة الشرائية يحدد اتجاهات أسعار الصرف على المدى البعيد. وبالتالي فإن العوامل الاقتصادية المؤثرة على تعادل القوة الشرائية ستؤدي في النهاية إلى تساوي القوة الشرائية للعملات، وهذا يتطلب فترة زمنية تمتد من 4 إلى 10 سنوات. ومن حيث المبدأ، فإن أسعار صرف العملات ستتوافق بحيث تصبح تكلفة السلع والخدمات المتشابهة هي نفسها في كافة الأسواق وبكافة العملات. وللحفاظ على تعادل القوة الشرائية تميل تقلبات أسعار الصرف إلى التعبير عن معدلات التضخم النسبية. وعلى خلاف تعادل أسعار الفائدة التي يقتضيها التوازن المالي نجد أن تعادل القوة الشرائية يؤدي في المدى البعيد إلى التوازن الترجيحي لأسعار السلع والخدمات.
الناتج المحلي الاجمالي مقابل تعادل القوة الشرائية هناك أهمية لشرح ما هو الناتج الاجمالي المحلي مقابل تعادل القوة الشرائية وما هو التعادل بالمقارنة مع تعادل القوة الشرائية وكيفية احتسابه. إن الفرق بين الناتج المحلي الاجمالي محتسبا بالطريقة العادية استنادا إلى التبادل التجاري وقيمة العملة الدولية (الدولار) وقيمة تعادل القوة الشرائية يمكن تفسيره على أفضل وجه عن طريق مثال باستخدام أرقام افتراضية، فلو كان رطل اللحم في الولايات المتحدة يكلف 5 دولار أمريكي ويكلف في دولة الإمارات العربية المتحدة 20 دولار (ما يعادلها بالدرهم)، وإذا كان متوسط دخل الفرد في أمريكا 20.000 دولار أمريكي ومتوسط دخل الفرد في الإمارات العربية المتحدة 20.000 دولار أمريكي (ما يعادل هذا المبلغ بالدرهم)، يتضح لنا أن المواطن الأمريكي يمكنه شراء كمية أكبر من اللحم مقابل نفس المبلغ. وهذا يوفر للمواطن الأمريكي مستوى معيشيا أفضل (على فرض أن كافة الأشياء الأخرى متساوية). وهذا يوضح لنا كيفية احتساب الناتج المحلي الاجمالي باستخدام تعادل القوة الشرائية. وبهذا الشأن نجد ان المواطن الإماراتي قد يحصل على نفس متوسط دخل الفرد الأمريكي، وبالتالي، فإن الناتج المحلي الاجمالي لكلا الدولتين سيكون متماثلا لو افترضنا تساوي عدد السكان في كلا الدولتين. ويتضح هنا أنه بالرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي لكلا الدولتين سيكون متماثلا لو افترضنا تساوي عدد السكان في كلا الدولتين. ويتضح هنا أنه بالرغم من أن الناتج المحلي الاجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة يصل إلى 4 تريليون دولار، إلا أن هذا الدخل لو تم احتسابه فيما يتعلق بتعادل القوة الشرائية سيصل إلى 3 تريليون دولار مثلا. ويترتب على هذا أن دولة الإمارات ككل يمكنها شراء منتجات أقل مما يمكن لمواطني الولايات المتحدة ككل شراءها. وهكذا ورغم أن الناتج المحلي الإجمالي في كلا الدولتين يصل إلى4 تريليون دولار، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي يعتبر اكبر من الناتج المحلي الإجمالي في دولة الإمارات العربية المتحدة عند احتسابه باستخدام تعادل القوة الشرائية. ويمكننا القول هنا أنه رغم حصول المواطن الأمريكي على نفس مستوي دخل المواطن الإماراتي، إلا أن الأمريكي يتمتع بمستوي معيشي أفضل من الإماراتي. وبالنسبة للدول الفقيرة يحدث العكس تماما، حيث نجد أن المواطن اليمني يمكنه استئجار منزل بقيمة 10 دولارات شهريا، مقارنة مع الإماراتي الذي يدفع 500 دولار كإيجار شهري، وهنا نرى (مع كون الأشياء الأخرى متساوية) أن اليمن يتمتع بمستوى معيشي أفضل رغم أن دخل اليمني يصل إلى50 دولار شهرياً. وهذا يعني أن المواطن اليمني في اليمن يمكنه شراء منتجات أكثر مما يشتريه المواطن الإماراتي في الإمارات. وفي الحقيقة هناك الكثير من الحالات التي ينطبق عليها هذا المثال. وبالنتيجة، لو فرضنا أن الناتج المحلي الإجمالي في اليمن يصل إلى تريليون دولار. إلا أن القوة الشرائية للاقتصاد كما يعبر عنها تعادل القوة الشرائية يجعل حجم الاقتصادي اليمني يصل إلى 5تريليون دولار عند مقارنته مع الاقتصاد في دولة الإمارات العربية المتحدة. وهذا يمثل زيادة قدرها 5 أضعاف لحجم الاقتصاد اليمني عند تغيير طريقة احتساب حجم ذلك الاقتصاد باستخدام القوة الشرائية للدولار بدلا من احتساب حجم الاقتصاد بالدولار كرقم مجرد. وهذه هي الفكرة الكامنة وراء طريقة احتساب حجم الاقتصاد باستخدام مفهوم تعادل القوة الشرائية.
وهنا ننوه إلى أن الفرق الناتج بين طريقتي حساب الناتج المحلي الاجمالي تعتمد على مدى حرية التجارة في دولة ما وتعتمد أيضا على مدى اندماج الدولة في الاقتصاد العالمي وكذلك منتجاتها وقدراتها التنافسية، نظرا لأن هذه الأشياء تعادل في أهميتها كمية المنتجات التي يمكن شراؤها بنفس المبلغ. وهذا هو السبب الذي يجعلك تجد فروقا بسيطة فقط بين أحجام الناتج المحلي الإجمالي في الدول الغربية عند احتسابها بالطريقة العادية أو باستخدام تعادل القوة الشرائية.
مثال: في ظل اقتصاد مقيد لا يوجد فيه إنتاج لمادة الزيتون، يمكنك التحكم بسعر الزيتون، أما في اقتصاد مفتوح، يتم تحديد سعر الزيتون وفقا لقيمته في السوق العالمية، حيث أنه إذا كان السعر مرتفعا جدا، سيلجأ الناس إلى استيراد زيتون أرخص، وإذا كان السعر منخفضا سيتم تصدير الزيتون لجني الأرباح. وهكذا، يتعادل سعر الزيتون محليا مع السعر العالمي. وهذا يتطلب وجود ظروف مثالية للسوق، والتي لا توجد على الإطلاق ،ولا تأخذ في الحسبان تكلفة نقل المنتج (الزيتون). وبالإضافة إلى هذا، لو كانت تكلفة استئجار منزل في الجزائر تصل إلى 10 دولارات شهريا، ولم يكن أحد يرغب في الإقامة هناك نظرا لعدم وجود طلب على المساكن لأي سبب كان، فذلك لا يعني أن أسعار الم