فإن الحب ـ وهو الميل إلى الشيءـ أنواع شتى، منه ما هو مشروع ومنه ما هو مذموم، ومنه الجبلي الفطري، والاختياري المكتسب.
- فمحبة الله ورسوله فرض على كل مسلم ومسلمة، بل إن تلك المحبة شرط من شروط الإيمان. قال تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) [البقرة: 165]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" متفق عليه. وهذه المحبة تستلزم طاعة المحبوب، إذ من أحب أحداً سارع في رضاه، ومن زعم أنه يحب الله ورسوله ثم خالف أمرهما أو اتبع سبيلاً لم يشرعاه فقد أقام البرهان على بطلان دعواه.
- وحب المؤمنين والعلماء والصالحين: وذلك من أفضل القرب وأجل العبادات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل. قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه. وللطبراني عنه صلى الله عليه وسلم قال: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله عز وجل" وكما يحب العبد المؤمنين الصالحين، واجب عليه كذلك أن يبغض الكافرين وأهل الفجور والمعاصي، كل بحسبه.
ومن أنواع الحب:
- محبة الزوجة والأولاد: فحب الزوجة أمر جبلي مكتسب، إذ يميل المرء إلى زوجته بالفطرة ويسكن إليها، ويزيد في حبه لها إن كانت جميلة، أو ذات خلق ودين، أو لديها من الصفات ما يجعل قلب زوجها يميل إليها. وكذا محبة الولد أمر فطري. ولا يؤاخذ المرء إذا أحب أحد أولاده أكثر من الآخر، ولا إحدى زوجتيه ـ إن كان له زوجتان أكثر من الزوجة الأخرى. لأن المحبة من الأمور القلبية التي ليس للإنسان فيها خيار، ولا قدرة له على التحكم فيها، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لنسائه ويقول: "اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" رواه الترمذي. وإنما يحرم أن يفضل المحبوب على غيره بالعطايا أو بغيرها مما يملك من غير مسوغ. قال تعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة" [النساء: 128]. وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له امرأتان يميل لإحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل" رواه النسائي والحاكم. وعنه أيضاً قال: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" متفق عليه. والمراد بالميل: الميل في القسم والإنفاق، لا في المحبة.
- محبة الوالدين وسائر القرابات: فكل إنسان مفطور على حب أبويه. إذ هما من أحسن إليه صغيراً وسهر عليه وتعب من أجله. وهذه الأنواع من الحب مندوب إليها مأمور بها، أمر إيجاب أو استحباب، على تفصيل في الشرع، ليس هذا مكان تفصيله.
- الحب بين الفتيان والفتيات: وهذا قسمان: الأول: رجل قُذف في قلبه حب امرأة فاتقى الله تعالى وغض طرفه، حتى إذا وجد سبيلاً إلى الزواج منها تزوجها وإلا فإنه يصرف قلبه عنها، لئلا يشتغل بما لا فائدة من ورائه فيضيع حدود الله وواجباته.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ير للمتاحبين مثل النكاح" رواه ابن ماجه.
الثاني: من تمكن الحب من قلبه مع عدم قدرته على إعفاف نفسه حتى انقلب هذا إلى عشق، وغالب ذلك عشق صور ومحاسن. وهذا اللون من الحب محرم، وعواقبه وخيمة.
والعشق مرض من أمراض القلب مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم عز على الأطباء علاجه وأعيى العليل دواؤه، وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه، المتعوضة بغيره عنه، وأقبح ذلك حب المردان من الذكور، فإنه شذوذ وقبح.
وإذا امتلأ القلب بمحبة الله والشوق إليه دفع ذلك عنه مرض عشق الصور.
وأكثر من يقيم علاقات من حب أو نحوه قبل الشروع في الزواج إذا ظفر بمحبوبه وتزوجه يصيبه الفتور وتحدث نفرة في العلاقة بينهما، لأن كلا منهما يطلع على عيوب من صاحبه لم يكن يعلمها من قبل. وإذا كان عاشقاً صده ذلك عن كثير من الواجبات. ولقد بين الشارع الحكيم علاج الحب بصورة عملية، وحدد مصارف الشهوة التي تذكي جذوته، بدءاً بغض البصر، والبعد عن المثيرات، ودوام المراقبة، وكسر الشهوة بالصيام وعند القدرة على النكاح بالزواج، وحدد المعيار في الاختيار، وأن الرجل عليه أن يظفر بذات الدين، وهذا هو المقياس الذي به يختار به المرء شريكة حياته. قال صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
والله أعلم.