مع أن الحجازيات كانت ذا أهمية بالغة عند الذين تناولوا أشعار الشريف الرضي، ولكن لا نجد تعريفاً وتفسيراً واضحاً عنها. يقول حنا الفاخوري إنّ " الحجازيات هي نحو أربعين قصيدة ضمنها الشاعر لوعة صبابته، وقد تفتحت بها عبقرية طريق الحج ومواسم الحج، وهي تحوي ميزات غزله جميعها ". [9]
قد جاء في تاريخ التراث العربي : " قصائد ومقطعات يورد فيها أسماء مواضع بالحجاز" [10]
أما التعريف الأصح عن الحجازيات فهو ما قاله الدكتور مصطفى كامل الشيبي إنّ"الحجازيات مصطلح واضح الدلالة على مضمونه، يجري في الشهرة على نسق مع هاشميات الكميت وخمريات أبي نواس وزهديات أبي العتاهية، ويعني المقطعات الشعرية التي لها وجه اتصال بالحجاز، مباشرة أو بالتأدية إليه، من نظم الشريف الرضي وهي بالمفهوم الحديث (البوم) صور تذكارية على هيئة أشعار تجمع ذكريات زياراته الكثيرة لأرض الحجاز أيام إمارته الطويلة للحج وما قبلها حين كان يرافق أباه، أبا أحمد الموسوي، الأمير الذي سبقه وأورثه الإمارة ". [11].
" الحجازيات من الموضوعات المخترعة في الشعر العربي الاسلامي وإن كان لها وجه اتصال بذكر الاطلال الذي يشكل غرضاً قديماً من أغراض الشعر العربي منذ نشأته الأولى ". [12]
" لكن حجازيات الشريف الرضي تختلف عن ذكر الاطلال التقليدية بعناصر ومظاهر وأفكار وأغراض وتأملات " [13]. لعل أقرب الأشعار الى حجازيات الشريف الرضي هي أشعار شعراء الأمويين والعباسيين التي أنشدت في الحجاز، ومن جهة تتداعى أشعار الشريف الرضي أيضاً. واتسعت السلطة الاسلامية في العصر الأموى اتساعاً كبيراً وسيطرت على ملل وأقليات مختلفة. مراسم الحج وازدياد المسلمين جعلت مكة مركزاً لتجمع المسلمين من البلاد المختلفة وكان يصف الشعراء الحجازيين ما يشاهدون في هذه المناسك.
فشعائر الحج وآداب الحج تعطي للموضوعات الشعرية شكلاً حياً ومتسعاً فيعتقد الشاعر أن النساء في المنازل المختلفة تحدث لشعراء الحجاز الحوادث الغرامية أحياناً.
وجود كعبة والحرم النبوي في الحجاز وإقامة مراسيم الحج السنوية في مكة وأطرافها، جعلت الشعر الحجازي أن يمتاز بخصائص خاصة ، ونستطيع أن نذكر الشعراء الذين ساهموا في شعر الحجازيات .. كالعرجي، عمر بن أبي ربيعة، وعباس ابن الأحنف.و لکن حجازيات الشريف الرضي تختلف عن شعرهم تماماً من جهتي اللفظ و المعني ، فسنشير إليهما في هذا البحث.
الف- الخصائص اللفظية الحجازيات
اللفظ عندالشريف الرضي موضوع جدير بالعناية و الدراسة وإستماعه سباحة في البحر .ففي لفظه يجمع متانة وسهولة في اسلوب دقيق. فالالفاظ عنده تشتمل على الخصائص التالية:
1. ذكر أسماء أماكن الحجاز:
يعتبر ذكر أماكن الحجاز المتعددة من الخصائص الهامة والأساسية في الحجاز، فلذلك سميت الحجازيات بالحجازيات.
وكان الشريف الرضي زائراً عراقياً " فالحاج العراقي يسلك الطريق الى الكوفة من بغداد .. ويمرّ بديار نجد ويقيم في منازلها ... ". [14].
و كان للنجد والحجاز مقام الحب عند الشريف الرضي " ومن هنا وجدنا شاعرنا العظيم يذكر من ملتقيات المحبين فيها: الرقمتين وعقيق الحمى وعالج وجبل القنان وغور السَّنَد واللِوى وغيرها، فاذا بلغنا مكة قصصنا الشريف الى جبل الأل وذي الأراك ونعما الأراك، بعرفة والخيف والصفا والغمر والمحصَّب ومُربخ [ثانياً] عند جبل ثور ويلملم، هذا فوق ما ذكرناه قبل. وفي المدينة تفوح العطور وتتردد الأنفاس من: الأثلة وإضَم والخَبت والأنغم وذي خُشُب وسَلْع وذي سَلَم وسويقة والشقيقة وعقيق الحِمى. وفي نواحي نجوس خلال متلقى الأحبة في قُبا والمصلى ونعمان الغرقد. [15].