من حيث القدرة على العمل والصناعة الجن أقوى من الإنس ، فهم يفْضلون الإنس من هذه الناحية ، ولهذا نجد أن القرآن الكريم في أسلوبه يفرّق إذا تكلم عن الجن والإنس في أي حديث يتحدث عنهما ، يقول الله جل وعلا " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " ويقول جل وعلا في سورة الرحمن " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " فنرى أن الله تعالى قدم الإنس في سورة الإسراء وقدم الجن في آية الرحمن والسبب في هذا .. أن آية الإسراء تتحدث عن القدرة البيانية البلاغية وهي أن يؤتى بمثل هذا القرآن ، فقدم لله تعالى الإنس لأنهم أفصح بيانا من الجن ، في حين أن آية الرحمن تتحدث عن القدرة القوية البدنية وهي النفوذ من سلطان السموات والأرض فقدم الجن على الإنس لأنهم أقدر على ذلك منهم ، ونظير هذا أيضا في القرآن أن الله تعالى لما ذكر سليمان عليه السلام قال " وحشر لسليمانَ جنودُه من الجن والإنس والطير " فقدم الجن على الإنس في هذه الآية لأن القدرة العسكرية الحربية القتالية لديهم أقوى من الإنس ، ولهذا استقر في طباع الإنس حتى قبل الإسلام أن الجن أقوياء فكانوا يهابونهم ، ومنه قول الله تعالى على لسان الجن " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " ويقول الفرزدق وهو يفتخر على جرير :
أحلامنا تزن الجبالَ رزانة *** وتخالُنا جنا إذا ما نجهلُ
إنا لنضربُ رأسَ كلِ قبيلةٍ *** وأبوك خلف أتانه يتقمّلُ
فالفرزدق يفتخر على جرير عندما يحاربون ويظلمون أنهم يصبحون كالجن في القوة والشدة والبطش .
وهناك إنس أقوى من الجن على الإطلاق
وهم عباد الله الصالحين الذين آتاهم الله علم من عنده بدليلقوله تعالى (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)
قال الإمام الطبري في ( تفسيره ) (19/ 461):" (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ) وهو رجل من الإنس عنده علم من الكتاب فيه اسم الله الأكبر، الذي إذا دعي به أجاب

أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) فدعا بالاسم وهو عنده قائم، فاحتمل العرش احتمالا حتى وُضع بين يدي سليمان، والله صنع ذلك " إهـ.
وقال بعد ذلك (19/ 465):" قوله

قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ) يقول جلّ ثناؤه: قال الذي عنده علم من كتاب الله، وكان رجلا فيما ذكر من بني آدم" ثم ذكر الأقوال في إسمه .
ثم نقل آثارًا عن مجاهد وقتادة وأبي صالح والزهري والضحاك وابن زيد وابن جريج وابن إسحاق كلها تدلّ على أنه كان رجلاً من الإنس .
وفي ( تفسير ابن كثير ) (6/ 192):" قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ قال ابن عباس: وهو آصف كاتب سليمان. وكذا رَوَى محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان: أنه آصف بن برخياء، وكان صدّيقا يعلم الاسم الأعظم.