جعل الله سبحانه و تعالى الجنّة درجاتٍ فلكلّ مجتهدٍ في الدّنيا بالعمل الصّالح و الطّاعات نصيبٌ ، فكما هي في الحياة الدّنيا قد سخّر الله فيها البشر بعضهم لبعض و رفع بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ لغاية استمرار الحياة و استكمال مسيرة الإنسانيّة ، فصاحب العمل الذي يملك الشّركات تراه يسخّر عدداًّ من أفراد المجتمع ليعملون عنده بأجرٍ يستحقونه نهاية الشّهر ، و إذا أعجبه أحدهم ربما عيّنه مشرفاً عليهم و مسئولاً ، فسنّة الحياة تسخير البشر بعضهم لبعض في سنّةٍ رتيبةٍ و ناموسٍ عجيبٍ ، و لله المثل الأعلى فهو العدل الذي لا يظلم النّاس شيئاً فالعدالة تقتضي أن يأخذ كلّ إنسانٍ مكافأته على قدر جهده و عمله ، لذلك جعل الله المكافأة درجاتٍ فكلّ إنسانٍ يكافأ على مقدار عمله ثواباً و نعيماً مقيماً ، قال تعالى ( و لكلّ درجاتٌ ممّا عملوا و ما ربّك بغافلٍ عمّا يعلمون ) . و قد تحدّث الرّسول صلّى الله عليه و سلّم عن درجات الجنّة المائة ، و أنّه ما بين كلّ درجةٍ و درجة كما بين السّماء و الأرض و إنّ أعلى هذه الدّرجات هي الفردوس الأعلى الذي تتفجّر منه أنهار الجنّة ، و حثّ رسول الله المؤمنين الموحّدين أن يسألوا الله الفردوس الأعلى فهو أعلى الجنّة و فوقه عرش الرّحمن ، و تحدّث الرّسول عليه الصّلاة و السّلام عن أهل الغرف و وصفها وصفاً دقيقاً و كيف يُرى ظاهرها من باطنها و أنّها ككواكب السّماء المضيئة أعدّها الله سبحانه لعباده المحسنين ، فيها من النّعيم ما لا يخطر على قلب بشرٍ ، و إنّ النّاس و هم ينظرون إليها لا يشعرون أنّ أهلها أفضل منهم لأنّه ليس في الجنّة حزنٌ و لا همٌ ، و قد بيّن الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أنّ أدنى أهل الجنّة منزلاً من يؤتيه الله الدّنيا و عشر أمثالها و ما تلذّ عينه و تشتهي نفسه ، فما بالك بمن هم أعلى أهل الجنّة درجةً و منزلةً فأولئك الذين غرس الله كرامتهم بيده فيرون و يعاينون من النّعيم ما لا يخطر على بالٍ ، فالمسلم حريصٌ و هو يضع نصب عينه جنّة ربّه أن يسأله الفردوس الأعلى فيكون ممّن رضي الله عنهم و رضوا عنه