الخيال والذاكرة هما الفرق الرئيسي، حيث يتميز الإنسان بالخيال، أو لنقل إنه يتميز بخيال واسع جدًا جدًا مقارنة بالحيوان، إذ أن الخيال هو ما يسمح للإنسان أو بالأحرى يُجبره على رؤية صور ذهنية لسيناريوهات بديلة كثيرة - كانت محتملة أو لا تزال ممكنة - لكل شيء ولكل حدث يرصده، وهذا الأمر يُولد في وعي الإنسان أفكارًا جديدة كثيرة كنتيجة لتجارب واختبارات افتراضية (في الخيال)، وبذلك يُصبح الإنسان مهيأً لمواجهة أحداث لم تحدث بعد وكأنه قد خاضها من قبل، ويبتكر بذلك حلولًا واقعية لمشاكل افتراضية، وهذا هو أساس تطوير الإنسان المستمر لأدواته وبيئته وممتلكاته. أما الذاكرة فهي لدى الإنسان متميزة بكونها تحتفظ بالمشهد ككل وبكونها تربط الأحداث ببعضها، حيث إنها تعرض كل الأحداث والمشاهد المتشابهة عند التذكر، ولا تعرض فقط العنصر الرئيسي في الحدث والنتيجة النهائية كما تفعل ذاكرة الحيوان - بحسب ما يبدو لنا، وبهذا فإن الذاكرة تجعل من حياة الإنسان خطوات متتالية متصلة لتجربة واحدة، بينما ذاكرة الحيوان تجعل حياته عبارة عن عناصر منفصلة لا يرتبط اثنان منهما إلا في حال تطابق تام أو شبه تام.
الخيال والذاكرة لدى الإنسان مكناه من تصور الغرائز التي تسيره، وبالتالي استطاع النظر إلى غرائزه من خارجها، فاستطاع بذلك توجيهها والتحكم بها نسبيًا، وهو الأمر الذي يفتقده الحيوان ولذلك هو منصاع لغرائزه الفطرية الطبيعية، وبالطبع لكل حالة عيوبها وميزاتها.
الخيال والذاكرة يعملان في الوعي، والوعي ليس مقتصرًا على الإنسان، بل هو موجود نسبيًا لدى الحيوان ولدى كل كائن حي، فالوعي الذي يتحدث عنه البشر هو صفة لازمة للحياة، ولكنه محدود لدى الحيوان شأنه شأن الخيال والذاكرة، بل يمكنني القول إن وعي الإنسان هو نتاج الخيال والذاكرة.
ملاحظة: الوعي صفة أو حالة كونية، قد يرتفع هنا ويهبط هناك، لكنه لا ينعدم - لا يخلو منه شيء في الكون، فالوعي موجود حتى في الجمادات، لكن الإنسان اتخذ من نفسه معيارًا للكائن الواعي، وبذلك افترض أن كل وعي دون وعيه ليس وعيًا ، وهذا ليس صحيحًا، إذ أن الوعي هو إدراك الشيء لنفسه ولما حوله، وهذه صفة لا يمكن نفيها عن أي شيء، فكل شيء في الكون متصل بكل شيء آخر في الكون، ومؤثر فيه ومتأثر به، وليس الاتصال وتبادل التأثير سوى الحد الأدنى من الوعي.