سارتر: "لا يوجد غيري فأنا وحدي أقرر الخير وأخترع الشر". حلل وناقش؟؟
المقدمة: (طرح المشكلة) : تدفع الطبيعة الأخلاقية الإنسان إلى التعامل مع غيره وهذا ما تحدده طبيعته الأخلاقية أيضا, يتجلى ذلك في سلوكات قد ترتبط بالخير وقد ترتبط بالشر وهذا هو محور الأخلاق غير أن مصدر وطبيعة القيم الأخلاقية غلب عليها الجدل بين أنصار الذاتية والموضوعية ويحق لنا صياغة هذه المشكلة على النحو التالي: هل يا ترى الأخلاق من طبيعة ذاتية والإنسان صانعها أم هي من طبيعة موضوعية والإنسان خاضع لها ؟
التحليل: (محاولة حل المشكلة):
عرض الأطروحة الأولى : يرى أنصار الإتجاه الذاتي أن الأخلاق من طبيعة ذاتية وأطروحتهم تقوم على مسلمات فهم يرون أن الإنسان هو الذي وضع القيم الأخلاقية وفقا لأفكاره وعواطفه ورغباته وميوله وحاجاته, وهذا المعنى الإنسان هو صانع القيم الأخلاقية وهذا ما أكد عليه زعيم المدرسة الوجودية جون بول سارتر الذي قال: "لايوجد غيري فأنا وحدي أقرر الخير وأخترع الشر" هذه المقولة مأخوذة من كتاب الشيطان وكتاب الآلة الصليب ومعنى ذلك أن الإنسان يمتلك الإرادة والحرية في بناء القيم الأخلاقية ونفس الأطروحة نحبها في الفلسفة اليونانية عند السوفسطائيين بزعامة بروتاغوراس الذي قال: "الإنسان مقياس الأشيء كلها" وهكذا ما يراه أحد من الناس خير هو في نظر الآخر شر وما كان يرمز في الأمس إلى الشر قد يرمز اليوم إلى الخير ومعنى ذلك أن القيم الأخلاقية نسبية ومتغيرة بدليل أن أفكار ومشاعر ورغبات الإنسان تتغير وهذا ما أكد عليه الفيلسوف الألماني (نيتشه) الذي قال في كتابه (هذا أتكلم زراد ثبت): "الحق أن الناس هم الذين أعطوا لأنفسهم كل خير وشر" ووضع موقفه بأمثلة تاريخية حيث أشار أن مفاهيم العطف والشفقة والرحمة والصبر إخترعها العبيد للحد من سطوت السادة وكل ذلك يؤكد الطاب الذاتي للأخلاق
النقد: يبدو للوهلة الأولى أن أطروحة الإتجاه الذاتي متماسكة ومنسجمة ولكن لو تعمقنا نجد أنها لا تصمد أمام النقد ومنطق المحاجة فمن حيث الشكل نلاحظ أن هذه الأطروحة ركزت عل العوامل الذاتية وأهملت العوامل الموضوعية ومن حيث المضمون نرد عليهم أنه توجد قيم ثابتة مشتركة بين جميع الناس.
عرض الأطروحة الثانية: على النقيض من الأرطوحة الأولى يرى أنصار الإتجاه الموضوعي أن الأخلاق من طبيعة موضوعية وهم يسلمون بأن القيم الأخلاقية لها وجود مستقل عن الإنسان هذا ما أكد عليه أفلاطون الذي رد على السوفسطائيين بأن الآلية مقياس الأشياء وليس الإنسان وهو يرى أن الأخلاق لها وجود حقيقي في عالم المثل فالنفس كانت يعترف الفضيلة ويميز بين الخير والشر وأكد على الموضوعية الأخلاق بقوله: "الخير فوق الوجود شرفا وقوة" وفي العصر الحديث أكد الفرنسي فولتير أن المفاهيم الأخلاقية ثابتة موضوعية مستقلة عن رغباتنا وأفكارنا حيث قال: "الخيريعرف بداهة ولا يختلف فيه إثنان مهما إختلف الزمان والمكان" من الأمثلة التوضيحية أن الراعي التتري والصباغ الهندي والبحار الإنجليزي كلهم يتفقون أن العدل خير والظلم شر وتفسير ذلك أن الاشياء لها صفات تفرض نفسها مما يجعلها خيرا أو شرا وهذا ما أكدت عليه أيضا المعتزلة في الفكر الإسلامي حيث رفعوا شعار (الشرع مخير والعقل مدرك) وقصدوا بذلك أن نصوص الشرع حددت ماهو خير وماهو شر بصورة مسبقة ونهائية .